إن الفوارق بين المرأة والرجل لا تعني أفضلية أحدهما على الآخر، فالمرأة من سنخ الرجل في الكرامة والحقوق، كما يمكن تصنيف هذه الفوارق بلحاظين:
الأول: اللحاظ الإنساني: فقد خلق الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة متساويين، فهما مخلوقان من نفس واحدة، ومن تكوين واحد، فيقول جلّ شأنه: "یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَیْكُمْ رَقِيبًا"، وعلى ضوء تلك الآية وغيرها من الآيات فالرجل والمرأة متساويان في الإنسانية.
الآخر: اللحاظ التشريعي: إذ ليس بينهما فارق من حيث التشريع في معظم الأحكام فما أُمر به الرجل أُمرت به المرأة، وما نُهی عنه، نُهيت عنه، إلا في أحكام خاصة اقتضت الشريعة التمايز بينهما لا لأفضلية أحدهما على الآخر تشريعًا أو تكوينًا، بل هذا الاقتضاء نابع من الوظيفة الشرعية المكلف بها كل واحد منهما من قبل الله عز وجلّ.
ومن يمعن النظر في خطاب الشارع المقدس يتجلى له بأنه خطاب يتوجه للرجال والنساء في آن واحد، ما لم تكن ثمة قرينة تصرفه عن عمومه، وأن المساواة بينهما في أصل الخلقة، وفي الأجر والثواب، وولاية بعضهما على بعض ثابتة في نصوص الشريعة.
ففي أصل الخلقة يقول جل شأنه "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَیْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى" وقوله تعالى "ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى" وفي الأجر والثواب قوله جل شأنه "أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" وقوله تعالى: "وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَیِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" أما مساواتهم في الولاية ففي قوله تعالى "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَیُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَیُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
وعلى ذلك فهما متساويان في التشريع وليس بينهما أفضلية في الخلقة، ولكن بينهما تفاضل فرضته المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منهما، وليس الأمر كما ذهب إليه البعض بأن فوارق الأحكام المختصة بالرجال دون النساء، هو عنصر تفوق بسبب النقص في النساء، وهذه رؤية خاطئة تتنافى وروح الشريعة التي أرست قواعدها على المساواة في الكرامة بين الرجل والمرأة، وأن مقياس التميز والتكريم عند الله هو التقوى فـ{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم}.
ولا يعني إنّ حرمان المرأة من بعض المناصب المختصة بالرجال، أن تضفي تلك المناصب للرجال عنصر تميز.